نام کتاب : زاد المسير في علم التفسير نویسنده : ابن الجوزي جلد : 3 صفحه : 542
قوله تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يعني أهل الجنة يَتَساءَلُونَ عن أحوال كانت في الدنيا.
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ فيه أربعة أقوال: أحدها: أنه الصّاحب في الدنيا. والثاني: أنه الشريك، رويا عن ابن عباس. والثالث: أنه الشيطان، قاله مجاهد. والرابع: أنه الأخ قال مقاتل: وهما الأَخوان المذكوران في سورة الكهف [1] في قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ والمعنى: كان لي صاحب أو أخ ينكر البعث، يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ قال الزجاج: هي مخففة الصاد، من صدَّق يصدِّق فهو مصدِّق، ولا يجوز ها هنا تشديد الصاد، قال المفسّرون: والمعنى: أإنّك لَمِن المُصَدِّقِين بالبعث؟ وقرأ بكر بن عبد الرحمن القاضي عن حمزة: «المُصَّدِقِينَ» بتشديد الصاد. قوله تعالى: أَإِنَّا لَمَدِينُونَ أي:
مَجْزِيُّون بأعمالنا، يقال: دِنْتُهُ بما صنع، أي: جازيته. فأحَبَّ المؤمِنُ أن يَرى قرينَه الكافر، فقال لأهل الجنَّة: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ أي: هل تحبُّون الاطِّلاع إِلى النَّار لتَعْلَمُوا أين منزلتُكم من منزلة أهلها؟ وقرأ ابن عباس، والضحاك، وأبو عمران، وابن يعمر: «هل أنتم مُطْلِعُونَ» بإسكان الطاء وتخفيفها «فأطْلِعَ» بهمزة مرفوعة وسكون الطاء. وقرأ أبو رزين وابن أبي عبلة: «مُطلِعونِ» بكسر النون، قال ابن مسعود:
اطَّلع ثم التفت إلى أصحابه فقال: لقد رأيتُ جماجم القوم تغلي قال ابن عباس: وذلك أن في الجنة كُوىً ينظُر منها أهلُها إِلى النار. قوله تعالى: فَرَآهُ يعني قرينة الكافر فِي سَواءِ الْجَحِيمِ أي: في وسَطها. وقيل: إِنما سمي الوسَط سَواءً، لاستواء المسافة منه إلى الجوانب. قال خُليد العَصْري: واللهِ لولا أنَّ الله عرَّفه إَيَّاه، ما عرفه، لقد تغيَّر حَبْرُه وسِبْرُه. فعند ذلك قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ قال المفسرون: معناه: واللهِ ما كِدْتَ إلاّ تُهْلِكني يقال: أرديتُ فلاناً، أي: أهلكْته. وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي أي: إنعامه عليَّ بالإِسلام لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ معك في النّار.
قوله تعالى: أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه إذا ذُبح الموت، قال أهل الجنة:
أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى التي كانت في الدنيا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ فيقال لهم: لا فعند ذلك قالوا: إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ فيقول الله تعالى: لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ، قاله ابن السائب.
وقيل: يقول ذلك للملائكة. والثاني: أنه قول المؤمن لأصحابه، فقالوا له: إنك لا تموت، فقال: «إنْ هذا لَهُوَ الفوز العظيم» ، قاله مقاتل. وقال أبو سليمان الدمشقي: إِنما خاطب المؤمنُ أهلَ الجنة بهذا على طريق الفرح بدوام النَّعيم، لا على طريق الاستفهام، لأنه قد عَلِمَ أنَّهم ليسوا بميِّتين، ولكن أعاد الكلام ليزداد بتكراره على سمعه سروراً. والثالث: أنه قول المؤمن لقرينه الكافر على جهة التوبيخ بما كان يُنْكِره، ذكره الثعلبي.
قوله تعالى: لِمِثْلِ هذا يعنى النعيم الذي ذَكَره في قوله: أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ [2] ، فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ، وهذا ترغيب في طلب ثواب الله عزّ وجلّ بطاعته.